جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الحقوق المتبادلة بین الإمام والامة

زمان مطالعه: 9 دقیقه

الکتاب

«إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُم بَیْنَ النَّاسِ أَن تَحْکُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُکُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ کَانَ سَمِیعَاً بَصِیرًا».(1)

الحدیث

393. تهذیب الأحکام عن المعلّى بن خنیس عن الإمام الصادق علیه السلام، قال: قُلتُ لَهُ: قَولُ اللّهِ عز و جل: «إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُم بَیْنَ النَّاسِ أَن تَحْکُمُواْ بِالْعَدْلِ» قالَ: عَلَى الإِمامِ أن یَدفَعَ ما عِندَهُ إلَى الإِمامِ الَّذی بَعدَهُ، واُمِرَتِ الأَئِمَّةُ بِالعَدلِ، واُمِرَ النّاسُ أن یَتَّبِعوهُم.(2)

394. الإمام علیّ علیه السلام: حَقٌّ عَلَى الإِمامِ أن یَحکُمَ بِما أنزَلَ اللّهُ وأن یُؤَدِّیَ الأَمانَةَ، فَإِذا فَعَلَ ذلِکَ کانَ حَقّا عَلَى المُسلِمینَ أن یَسمَعوا، ویُطیعوا ویُجیبوا إذا دُعُوا.(3)

395. عنه علیه السلام- مِن خُطبَةٍ لَهُ-: أیُّهَا النّاسُ! إنَّ لی عَلَیکُم حَقّا ولَکُم عَلَیَّ حَقٌّ: فَأَمّا حَقُّکُم عَلَیَّ فَالنَّصیحَةُ لَکُم، وَتَوفیرُ فَیئِکُم عَلَیکُم، وتَعلیمُکُم کَی لا تَجهَلوا، وتَأدیبُکُم کَیما تَعلَموا.

وأمَّا حَقّی عَلَیکُم، فَالوَفاءُ بِالبَیعَةِ، وَالنَّصیحَةُ فِی المَشهَدِ وَالمَغیبِ، وَالإِجابَةُ حینَ أدعوکُم، وَالطّاعَةُ حینَ آمُرُکُم.(4)

396. عنه علیه السلام- مِن کِتابٍ لَهُ إلى أهلِ مِصرَ لَمّا وَلّى عَلَیهِم قَیسَ بنَ سَعدٍ-: ألا وإنَّ لَکُم عَلَینَا العَمَلَ بِکِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ، وَالقِیامَ بِحَقِّهِ، وَالنُّصحَ لَکُم بِالغَیبِ… وقد أمَرتُهُ بِالإِحسانِ إلى مُحسِنِکُم وَالشِّدَّةِ عَلى مُریبِکُم، وَالرِّفقِ بِعَوامِّکُم وخَواصِّکُم.(5)

397. عنه علیه السلام: إنَّ أحَقَّ ما یَتَعاهَدُ الرّاعی مِن رَعِیَّتِهِ، أن یَتَعاهَدَهُم بِالَّذی لِلّهِ عَلَیهِم فی وَظائِفِ دینِهِم، وإنَّما عَلَینا أن نَأمُرَکُم بِما أمَرَکُمُ اللّهُ بِهِ، وأن نَنهاکُم عمّا نَهاکُمُ اللّهُ عَنهُ، وأَن نُقیمَ أمرَ اللّهِ فی قَریبِ النّاسِ وبَعیدِهِم، لا نُبالی فیمَن جاءَ الحَقُّ عَلَیهِ.(6)

398. عنه علیه السلام: إنَّ فی سُلطانِ اللّهِ عِصمَةً لِأَمرِکُم، فَأَعطوهُ طاعَتَکُم غَیرَ مَلومَةٍ ولا مُستَکرَهٍ بِها… ولَکُم عَلَینَا العَمَلُ بِکِتابِ اللّهِ تَعالى وسیرَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله، وَالقِیامُ بِحَقِّهِ، وَالنَّعشُ(7) لِسُنَّتِهِ.(8)

399. عنه علیه السلام- مِن کِتابٍ لَهُ إلى اُمَرائِهِ عَلَى الجُیوشِ-: مِن عَبدِ اللّهِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ أمیرِ المُؤمِنینَ إلى أصحابِ المَسالِحِ(9):

أمّا بَعدُ، فَإِنَّ حَقّا عَلَى الوالی ألّا یُغیِّرَهُ عَلى رَعِیَّتِهِ فَضلٌ نالَهُ، ولا طَولٌ(10) خُصَّ بِهِ، وأن یَزیدَهُ ما قَسَمَ اللّهُ لَهُ مِن نِعَمِهِ دُنُوّا مِن عِبادِهِ، وعَطفا عَلى إخوانِهِ.

ألا و إنَّ لَکُم عِندی ألّا أحتَجِزَ دونَکُم سِرّا إلّا فِی حَربٍ، ولا أطوِیَ(11) دونَکُم أمرا إلّا فی حُکمٍ، ولا اُؤَخِّرَ لَکُم حَقّا عَن مَحَلِّهِ، ولا أقِفَ بِهِ دونَ مَقطَعِهِ، وأن تَکونوا عِندی فِی الحَقِّ سَواءً، فَإِذا فَعَلتُ ذلِکَ وَجَبَت لِلّهِ عَلَیکُمُ النِّعمَةُ، ولی عَلَیکُمُ الطّاعَةُ، وألّا تَنکُصوا(12) عَن دَعوَةٍ، ولا تُفَرِّطوا فی صَلاحٍ، وأن تَخوضُوا الغَمَراتِ(13) إلَى الحَقِّ، فَإِن أنتُم لَم تَستَقیموا لی عَلى ذلِکَ لَم یَکُن أحَدٌ أهوَنَ عَلَیَّ مِمَّنِ اعوَجَّ مِنکُم، ثُمَّ اُعظِمُ لَهُ العُقوبَةَ، ولا یَجِدُ عِندی فیها رُخصَةً، فَخُذوا هذا مِن اُمرائِکُم، وأعطوهُم مِن أنفُسِکُم ما یُصلِحُ اللّهُ بِهِ أمرَکُم.(14)

400. الإمام الباقر علیه السلام: خَطَبَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام النّاسَ بِصِفّینَ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَیهِ وصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِیِّ صلى الله علیه و آله ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ فَقَد جَعَلَ اللّهُ تَعالى لی عَلَیکُم حَقّا بِوِلایَةِ أمرِکُم، ومَنزِلَتِیَ الَّتی أنزَلَنِیَ اللّهُ عَزَّ ذِکرُهُ بِها مِنکُم، ولَکُم عَلَیَّ مِنَ الحَقِّ مِثلُ الَّذی لی عَلَیکُم، وَالحَقُّ أجمَلُ الأَشیاءِ فِی التَّواصُفِ وأوسَعُها فِی التَّناصُفِ، لا یَجری لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَیهِ ولا یَجری عَلَیهِ إلّا جَرى لَهُ، وَلَو کانَ لِأَحَدٍ أن یَجرِیَ ذلِکَ لَهُ ولا یَجرِیَ عَلَیهِ لَکانَ ذلِکَ لِلّهِ عز و جل خالِصا دونَ خَلقِهِ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ، ولِعَدلِهِ فی کُلِّ ما جَرَت عَلَیهِ ضُروبُ قَضائِهِ، ولکِن جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أن یُطیعوهُ، وجَعَلَ کَفّارَتَهُم عَلَیهِ بِحُسنِ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ، وتَطَوُّلاً بِکَرَمِهِ، وتَوَسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزیدِ لَهُ أهلاً، ثُمَّ جَعَلَ مِن حُقوقِهِ حُقوقا فَرَضَها لِبَعضِ النّاسِ عَلى بَعضٍ، فَجَعَلَها تَتَکافَأُ فی وُجوهِها ویوجِبُ بَعضُها بَعضا ولا یُستَوجَبُ بَعضُها إلّا بِبَعضٍ.

فَأَعظَمُ مِمَّا افتَرَضَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالى مِن تِلکَ الحُقوقِ؛ حَقُّ الوالی عَلَى الرَّعِیَّةِ وحَقُّ الرَّعِیَّةِ عَلَى الوالی، فَریضَةً فَرَضَهَا اللّهُ عز و جل لِکُلًّ عَلى کُلًّ، فَجَعَلَها نِظامَ اُلفَتِهِم وعِزّا لِدینِهِم، وقِواما لِسُنَنِ الحَقِّ فیهِم، فَلَیسَت تَصلُحُ الرَّعِیَّةُ إلّا بِصَلاحِ الوُلاةِ، ولا تَصلُحُ الوُلاةُ إلّا بِاستِقامَةِ الرَّعِیَّةِ.

فَإِذا أدَّتِ الرَّعِیَّةُ إلَى الوالی حَقَّهُ، وأدّى إلَیهَا الوالی کَذلِکَ، عَزَّ الحَقُّ بَینَهُم، فَقامَت مَناهِجُ الدّینِ، وَاعتَدَلَت مَعالِمُ العَدلِ، وجَرَت عَلى أذلالِهَا السُّنَنُ، فَصَلُحَ بِذلِکَ الزَّمانُ، وطابَ بِهِ العَیشُ، وطُمِعَ فی بَقاءِ الدَّولَةِ، ویَئِسَت مَطامِعُ الأَعداءِ. وإذا غَلَبَتِ الرَّعِیَّةُ والِیَهُم، وعَلَا الوالِی الرَّعِیَّةَ، اختَلَفَت هُنالِکَ الکَلِمَةُ، وظَهَرَت مَطامِعُ الجَورِ، وکَثُرَ الإِدغالُ فِی الدّینِ، وتُرِکَت مَعالِمُ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالهَوى، وعُطِّلَتِ الآثارُ، وکَثُرَت عِلَلُ النّفوسِ، ولا یُستَوحَشُ لِجَسیمِ حَدًّ عُطِّلَ، ولا لِعَظیمِ باطِلٍ أُثِّلَ(15)، فَهُنالِکَ تَذِلُّ الأَبرارُ، وتَعِزُّ الأَشرارُ، وتَخرَبُ البِلادُ، وتَعظُمُ تَبِعاتُ اللّهِ عز و جل عِندَ العِبادِ.

فَهَلُمَّ أیُّهَا النّاسُ إلَى التَّعاوُنِ عَلى طاعَةِ اللّهِ عز و جل، وَالقِیامِ بِعَدلِهِ، وَالوَفاءِ بِعَهدِهِ، وَالإِنصافِ لَهُ فی جَمیعِ حَقِّهِ، فَإِنَّهُ لَیسَ العِبادُ إلى شَیءٍ أحوَجَ مِنهُم إلَى التَّناصُحِ فی ذلِکَ وحُسنِ التَّعاوُنِ عَلَیهِ، وَلَیسَ أحَدٌ وإنِ اشتَدَّ عَلى رِضَا اللّهِ حِرصُهُ، وطالَ فِی العَمَلِ اجتِهادُهُ، بِبالِغٍ حَقیقَةَ ما أعطَى اللّهُ مِنَ الحَقِّ أهلَهُ، ولکِنّ مِن واجِبِ حُقوقِ اللّهِ عز و جل عَلَى العِبادِ النَّصیحَةَ لَهُ بِمَبلَغِ جُهدِهِم، وَالتَّعاوُنَ عَلى إقامَةِ الحَقِّ فیهِم.

ثُمَّ لَیسَ امرُؤٌ وإِن عَظُمَت فِی الحَقِّ مَنزِلَتُهُ، وجَسُمَت فِی الحَقِّ فَضیلَتُهُ، بِمُستَغنٍ عَن أن یُعانَ عَلى ما حَمَّلَهُ اللّهُ عز و جل مِن حَقِّهِ، ولا لِامرِئٍ مَعَ ذلِکَ خَسِئت بِهِ الاُمورُ، وَاقتَحَمَتهُ العُیونُ بِدونِ ما أن یُعینَ عَلى ذلِکَ ویُعانَ عَلَیهِ، وأهلُ الفَضیلَةِ فِی الحالِ وأهلُ النِّعَمِ العِظامِ أکثَرُ فی ذلِکَ حاجَةً، وکُلٌّ فِی الحاجَةِ إلَى اللّهِ عز و جل شَرَعٌ سَواءٌ.

فَأجابَهُ رَجُلٌ مِن عَسکَرِهِ لا یُدرى مَن هُوَ، ویُقالُ إنَّهُ لَم یُرَ فی عَسکَرِهِ قَبلَ ذلِکَ الیَومِ ولا بَعدَهُ، فَقامَ وأحسَنَ الثَّناءَ عَلَى اللّهِ عز و جل بِما أبلاهُم وأعطاهُم مِن واجِبِ حَقِّهِ عَلَیهِم، وَالإِقرارِ بِکُلِّ ما ذُکِرَ مِن تَصَرُّفِ الحالاتِ بِهِ وبِهِم، ثُمَّ قالَ:

أنتَ أمیرُنا ونَحنُ رَعِیَّتُکَ، بِکَ أخرَجَنَا اللّهُ عز و جل مِنَ الذُّلِّ، وبإعزازِکَ أطلَقَ عِبادَهُ مِن الغِلِّ، فَاختَر عَلَینا وأمضِ اختِیارَکَ، وَائتَمِر فَأَمضِ ائتِمارَکَ(16)، فَإِنَّکَ القائِلُ المُصَدَّقُ، وَالحاکِمُ المُوَفَّقُ، وَالمَلِکُ المُخَوَّلُ، لا نَستَحِلُّ فی شَیءٍ مَعصِیَتَکَ، ولا نَقیسُ عِلما بِعِلمِکَ، یَعظُمُ عِندَنا فی ذلِکَ خَطَرُکَ، ویَجِلُّ عَنهُ فی أنفُسِنا فَضلُکَ.

فَأَجابَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام فَقالَ: إنَّ مِن حَقِّ مَن عَظُمَ جَلالُ اللّهِ فی نَفسِهِ وجَلَّ مَوضِعُهُ مِن قَلبِهِ، أن یَصغُرَ عِندَهُ- لِعِظَمِ ذلِکَ- کُلُّ ما سِواهُ، وإنَّ أحَقَّ مَن کانَ کذلِکَ لَمَن عَظُمَت نِعمَةُ اللّهِ عَلَیهِ ولَطُفَ إحسانُهُ إلَیهِ، فَإِنَّهُ لَم تَعظُم نِعمَةُ اللّهِ عَلى أحَدٍ إلّا زادَ حَقُّ اللّهِ عَلَیهِ عِظَما. وإنَّ مِن أسخَفِ حالاتِ الوُلاةِ عِندَ صالِحِ النّاسِ، أن یُظَنَّ بِهِم حُبُّ الفَخرِ، ویوضَعَ أمرُهُم عَلَى الکِبرِ، وقَد کَرِهتُ أن یَکونَ جالَ فی ظَنِّکُم أنّی اُحِبُّ الإِطراءَ(17) وَاستِماعَ الثَّناءِ، ولَستُ بِحَمدِ اللّهِ کذلِکَ، وَلَو کُنتُ اُحِبُّ أن یُقالَ ذلِکَ لَتَرَکتُهُ انحِطاطا لِلّهِ سُبحانَهُ عَن تَناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالکِبریاءِ، ورُبَّما استَحلَى النّاسُ الثَّناءَ بَعدَ البَلاءِ، فَلا تُثنوا عَلَیَّ بِجَمیلِ ثَناءٍ لِإِخراجی نَفسی إلَى اللّهِ وإلَیکُم مِنَ البَقِیَّةِ فی حُقوقٍ لَم أفرُغ من أدائِها، وفَرائِضَ لابُدَّ مِن إمضائِها، فَلا تُکَلِّمونی بِما تُکَلَّمُ بِهِ الجَبابِرَةُ، ولا تَتَحَفَّظوا مِنّی بِما یُتَحَفَّظُ بِهِ عِندَ أهلِ البادِرَةِ، ولا تُخالِطونی بِالمُصانَعَةِ، ولا تَظُنّوا بِیَ استثِقالاً فی حَقًّ قیلَ لی، ولَا التِماسَ إعظامٍ لِنَفسی لِما لا یَصلُحُ لی، فَإِنَّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقَّ أن یُقالَ لَهُ أوِ العَدلَ أن یُعرَضَ عَلَیهِ کانَ العَمَلُ بِهِما أثقَلَ عَلَیهِ، فَلا تَکُفّوا عَنّی مَقالَةً بِحَقٍّ أو مَشورَةً بِعَدلٍ، فَإِنّی لَستُ فی نَفسی بِفَوقِ ما أن اُخطِئَ، ولا آمَنُ ذلِکَ مِن فِعلی إلّا أن یَکفِیَ اللّهُ مِن نَفسی ما هُوَ أملَکُ بِهِ مِنّی، فَإِنَّما أنَا وأَنتُم عَبیدٌ مَملوکونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَیرُهُ، یَملِکُ مِنّا ما لا نَملِکُ مِن أنفُسِنا، وأخرَجَنا مِمّا کُنّا فیهِ إِلى ما صَلُحنا عَلَیهِ، فَأَبدَلَنا بَعدَ الضَّلالَةِ بِالهُدى، وأعطانَا البَصیرَةَ بَعدَ العَمى.

فَأَجابَهُ الرَّجُلُ الَّذی أجابَهُ مِن قَبلُ فَقالَ: أنتَ أهلُ ما قُلتَ، وَاللّهُ وَاللّهِ فَوقَ ما قُلتَهُ، فَبَلاؤُهُ عِندَنا ما لا یُکفَرُ، وقَد حَمَّلَکَ اللّهُ تَبارَکَ وتَعالى رِعایَتَنا ووَلّاکَ سِیاسَةَ اُمورِنا، فَأَصبَحتَ عَلَمَنَا الَّذی نَهتَدی بِهِ، وإمامَنا الَّذی نَقتَدی بِهِ، وأمرُکَ کُلُّهُ رُشدٌ، وقَولُکَ کُلُّهُ أدَبٌ، قَد قَرَّت بِکَ فِی الحَیاةِ أعیُنُنا، وَامتَلَأَت مِن سُرورٍ بِکَ قُلوبُنا، وتَحَیَّرَت مِن صِفَةِ ما فیکَ مِن بارِعِ الفَضلِ عُقولُنا، وَلَسنا نَقولُ لَکَ: أیُّهَا الإِمامُ الصّالِحُ تَزکِیَةً لَکَ، ولا نُجاوِزُ القَصدَ فِی الثَّناءِ عَلَیکَ، ولَم یَکُن فی أنفُسِنا طَعنٌ عَلى یَقینِکَ، أو غِشٌّ فی دینِکَ، فَنَتَخَوَّفَ أن تَکونَ أحدَثتَ بِنِعمَةِ اللّهِ تَبارَکَ وتَعالى تَجَبُّرا، أو دَخَلَکَ کِبرٌ، ولکِنّا نَقولُ لَکَ ما قُلنا تَقَرُّبا إلَى اللّهِ عز و جل بِتَوقیرِکَ، وتَوسُّعا بِتَفضیلِکَ، وشُکرا بِإِعظامِ أمرِکَ، فَانظُر لِنَفسِکَ ولَنا، وآثِر أمرَ اللّهِ عَلى نَفسِکَ وعَلَینا، فَنَحنُ طُوَّعٌ فیما أمَرتَنا، نَنقادُ مِنَ الاُمور مَعَ ذلِکَ فیما یَنفَعُنا.

فَأَجابَهُ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام فَقالَ: وأنَا أستَشهِدُکُم عِندَ اللّهِ عَلى نَفسی لِعِلمِکُم فیما وُلِّیتُ بِهِ مِن اُمورِکُم، وعَمّا قَلیلٍ یَجمَعُنی وإیّاکُمُ المَوقِفُ بَینَ یَدَیهِ وَالسُّؤالُ عَمّا کُنّا فیهِ، ثُمَّ یَشهَدُ بَعضُنا عَلى بَعضٍ، فَلا تَشهَدُوا الیَومَ بِخِلافِ ما أَنتُم شاهِدونَ غَدا، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل لا یَخفى عَلَیهِ خافِیَةٌ، ولا یَجوزُ عِندَهُ إلّا مُناصَحَةُ الصُّدورِ فی جَمیعِ الاُمورِ.

فَأَجابَهُ الرَّجُلُ، ویُقالُ: لَم یُرَ الرَّجُلُ بَعدَ کَلامِهِ هذا لِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام، فَأَجابَهُ وقَد عالَ الَّذی(18) فی صَدرِهِ، فَقالَ وَالبُکاءُ یَقطَعُ مَنطِقَهُ، وغُصَصُ الشَّجا تُکَسِّرُ صَوتَهُ إعظاما لِخَطَرِ مَرزِئَتِهِ ووَحشَةً مِن کَونِ فَجیعَتِهِ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَیهِ، ثُمَّ شَکا إلَیهِ هَولَ ما أشفى عَلَیهِ مِن الخَطَرِ العَظیمِ وَالذُّلِ الطَّویلِ فی فَسادِ زَمانِهِ، وَانقِلابِ حَدِّهِ، وَانقِطاعِ ما کانَ مِن دَولَتِهِ، ثُمَّ نَصَبَ المَسأَلَةَ إلَى اللّهِ عز و جل بِالاِمتِنانِ عَلَیهِ وَالمُدافَعَةِ عَنهُ بِالتَّفَجُّعِ وَحُسنِ الثَّناءِ، فَقالَ:

یا رَبّانِیَّ العِبادِ، ویا سَکَنَ البِلادِ، أینَ یَقَعُ قَولُنا مِن فَضلِکَ، وأینَ یَبلُغُ وَصفُنا مِن فِعلِکَ، وأنّى نَبلُغُ حَقیقَةَ حُسنِ ثَنائِکَ، أو نُحصی جَمیلَ بَلائِکَ، فَکَیفَ وبِکَ جَرَت نِعَمُ اللّهِ عَلَینا، وعَلى یَدِکَ اتَّصَلَت أسبابُ الخَیرِ إلَینا، ألَم تَکُن لِذُلِّ الذَّلیلِ مَلاذا، وَلِلعُصاةِ الکُفّارِ إخوانا(19)؟ فَبِمَن إلّا بِأَهلِ بَیتِکَ وَبِکَ أخرَجَنَا اللّهُ عز و جل مِن فَظاعَةِ تِلکَ الخَطَراتِ؟ أو بِمَن فَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الکُرُباتِ؟ وبِمَن إلّا بِکُم أظهَرَ اللّهُ مَعالِمَ دینِنا، وَاستَصلَحَ ما کانَ فَسَدَ مِن دُنیانا، حَتَّى استَبانَ بَعدَ الجَورِ ذِکرُنا، وقَرَّت مِن رَخاءِ العَیشِ أعیُنُنا، لِما وَلیتَنا بِالإِحسانِ جُهدَکَ، ووَفَیتَ لَنا بِجَمیعِ وَعدِکَ، وقُمتَ لَنا عَلى جَمیعِ عَهدِکَ، فَکُنتَ شاهِدَ مَن غابَ مِنّا، وخَلَفَ أهلِ البَیتِ لَنا، وکُنتَ عِزَّ ضُعَفائِنا، وثِمالَ(20) فُقَرائِنا، وعِمادَ عُظَمائِنا، یَجمَعُنا فِی الاُمورِ عَدلُکَ، ویَتَّسِعُ لَنا فِی الحَقِّ تَأَنّیکَ(21)، فَکُنتَ لَنا اُنسا إذا رَأَیناکَ وسَکَنا إذا ذَکَرناکَ.

فَأَیَّ الخَیراتِ لَم تَفعَل؟ وأیَّ الصّالِحاتِ لَم تَعمَل؟ ولَولا أنَّ الأَمرَ الَّذی نَخافُ عَلَیکَ مِنهُ یَبلُغُ تَحویلَهُ جُهدُنا، وتَقوى لِمُدافَعَتِهِ طاقَتُنا أو یَجوزُ الفِداءُ عَنکَ مِنهُ بِأَنفُسِنا وبِمَن نَفدیهِ بِالنُّفوسِ مِن أبنائِنا، لَقَدَّمنا أنفُسَنا وأبناءَنا قَبلَکَ ولَأَخطَرناها، وَقَلَّ خَطَرُها دونَکَ، ولَقُمنا بِجَهدِنا فی مُحاوَلَةِ مَن حاوَلَکَ، وفی مُدافَعَةِ مَن ناواکَ(22)، ولکِنَّهُ سُلطانٌ لا یُحاوَلُ، وعِزٌّ لا یُزاوَلُ، ورَبٌّ لا یُغالَبُ، فَإِن یَمنُن عَلَینا بِعافِیَتِکَ، ویَتَرَحَّم عَلَینا بِبَقائِکَ، ویَتَحَنَّن عَلَینا بِتَفریجِ هذا مِن حالِکَ، إلى سَلامَةٍ مِنکَ لَنا وبَقاءٍ مِنکَ بَینَ أظهُرِنا، نُحدِث لِلّهِ عز و جل بِذلِکَ شُکرا نُعَظِّمُهُ، وذِکرا نُدیمُهُ، ونُقَسِّم أنصافَ أموالِنا صَدَقاتٍ وأنصافَ رَقیقِنا(23) عُتَقاءَ، ونُحدِث لَهُ تَواضُعا فی أنفُسِنا، ونَخشَع فی جَمیعِ اُمورِنا، وإن یَمضِ بِکَ إلَى الجِنانِ، ویُجری عَلَیکَ حَتمَ سَبیلِهِ، فَغَیرُ مُتَّهَمٍ فیکَ قَضاؤُهُ، ولا مَدفوعٍ عَنکَ بَلاؤُهُ، ولا مُختَلِفَةٍ مَعَ ذلِکَ قُلوبُنا بِأَنَّ اختِیارَهُ لَکَ ما عِندَهُ عَلى ما کُنتَ فیهِ، ولکِنّا نَبکی مِن غَیرِ إثمٍ لِعِزِّ هذَا السُّلطانِ أن یَعودَ ذَلیلاً، ولِلدّینِ وَالدُّنیا أکیلاً، فَلا نَرى لَکَ خَلَفا نَشکو إلَیهِ، وَلا نَظیرا نَأمَلُهُ وَلا نُقیمُهُ.(24)

401. الکافی عن أبی حمزة: سَأَلتُ أبا جَعفَرٍ علیه السلام، ما حَقُّ الإِمامِ عَلَى النّاسِ؟

قالَ: حَقُّهُ عَلَیهِم أن یَسمَعوا لَهُ ویُطیعوا.

قُلتُ: فَما حَقُّهُم عَلَیهِ(25)؟

قالَ: یَقسِمُ بَینَهُم بِالسَّوِیَّةِ، ویَعدِلُ فِی الرَّعِیَّةِ.(26)

402. الإمام الرضا علیه السلام- لِأَبی هاشِمٍ داودَ بنِ القاسِمِ الجَعفَرِیِّ-: یا داودُ، إنَّ لَنا عَلَیکُم حَقّا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله، وإنَّ لَکُم عَلَینا حَقّا. فَمَن عَرَفَ حَقَّنا وَجَبَ حَقُّهُ، ومَن لَم یَعرِف حَقَّنا فَلا حَقَّ لَهُ.(27)

403. الإرشاد- فی حَدیثِ بَیعَةِ الرِّضا عَلِیِّ بنِ موسى علیه السلام-: ثُمَّ قالَ المَأمونُ لِلرِّضا علیه السلام: اُخطُبِ النّاسَ وتَکَلَّم فیهِم.

فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَیهِ، وقالَ: إنَّ لَنا عَلَیکُم حَقّا بِرَسولِ اللّهِ، ولَکُم عَلَینا حَقّا بِهِ، فَإِذا أنتُم أدَّیتُم إلَینا ذلِکَ وَجَبَ عَلَینَا الحَقُّ لَکُم.

ولَم یُذکَر عَنهُ غَیرُ هذا فی ذلِکَ المَجلِسِ.(28)

404. الإمام الرضا علیه السلام: إنّا أهلُ بَیتٍ وَجَبَ حَقُّنا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله، فَمَن أخَذَ بِرَسولِ اللّهِ حَقّا ولَم یُعطِ النّاسَ مِن نَفسِهِ مِثلَهُ فَلا حَقَّ لَهُ.(29)

راجع: العنوان الآتی.


1) النساء: 58.

2) تهذیب الأحکام: ج 6 ص 223 ح 533، الکافی: ج 1 ص 277 ح 4 و لیس فیه ذیله، کتاب من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 3 ح 3217، تفسیر العیّاشی: ج 1 ص 249 ح 167 عن ابن أبی یعفور، بحار الأنوار: ج 23 ص 278 ح 14.

3) المصنّف لابن أبی شیبة: ج 7 ص 566 ح 4، تفسیر الطبری: ج 4 الجزء 5 ص 145، تفسیر ابن أبی حاتم: ج 3 ص 986 ح 5520 نحوه وکلّها عن مصعب بن سعد، تفسیر القرطبی: ج 5 ص 259 کلاهما نحوه، کنز العمّال: ج 5 ص 764 ح 14313؛ مسند زید: ص 362 عن الإمام زین العابدین عن أبیه عنه علیهم السلام نحوه.

4) نهج البلاغة: الخطبة 34، بحار الأنوار: ج 27 ص 251 ح 12.

5) الغارات: ج 1 ص 211 عن سهل بن سعد، إرشاد القلوب: ص 322، بحار الأنوار: ج 28 ص 89 ح 3.

6) الغارات: ج 2 ص 501 عن الأصبغ بن نباتة، بحار الأنوار: ج 27 ص 253 ح 15.

7) النَّعش: الرَّفع. نَعَشْتُ فلانا: إذا جَبرتَه بعد فَقر، أو رفعته بعد عثرة. ونَعشتُ الشجَرَةَ؛ إذا کانت مائلة فأقَمتها (لسان العرب: ج 6 ص 356 «نعش»).

8) نهج البلاغة: الخطبة 169، الغارات: ج 1 ص 211 عن سهل بن سعد نحوه، بحار الأنوار: ج 27 ص 251 ح 13.

9) المَسْلَحَةُ: القوم الذین یحفظون الثُّغور من العدوّ (النهایة: ج 2 ص 388 «سلح»).

10) الطَّوْلُ: الفَضلُ والقُدرة والغِنى والسَّعةُ والعلوّ (تاج العروس: ج 15 ص 447 «طول»).

11) قال العلّامة المجلسی قدس سره: «لا أطوی دونکم أمرا» أی اُظهرکم على کلّ ما فی نفسی ممّا یحسن إظهارکم علیه، فأمّا الأحکام الشرعیّة والقضاء على أحد الخصمین؛ فإنّی لا اُعلمکم قبل وقوعها، ولا اُشاورکم فیها کى لا تفسد القضیّة بأن یحتال ذلک الشخص لصرف الحکم عنه، ولعدم توقّف الحکم على المشاورة (بحار الأنوار: ج 33 ص 470).

12) نَکَصَ: رَجَعَ. النکوص: الإحجامُ عن الشیء (المصباح المنیر: ص 625 «نکص»).

13) الغَمْرَةُ: الشدِّةُ، ومنه غمراتُ الموت لشدائده (المصباح المنیر: ص 453 «غمر»).

14) نهج البلاغة: الکتاب 50، بحار الأنوار: ج 33 ص 469 ح 682.

15) أثلَةُ کلِّ شیءٍ: أصله. وأثَلَ: تأصَّل. وأثَّلَ اللّه ُ ملکَهُ: عظَّمَهُ. وتأثَّل هُوَ: عَظُم (لسان العرب: ج 11 ص 9 «أثل»).

16) ائتَمَر: أی شاور نفسه وارتأى قبل مواقعة الأمر، وقیل: المؤتَمِر: الذی یهمّ بأمرٍ یفعله (النهایة: ج 1 ص 66 «أمر»).

17) أطریت فلانا: مدحته بأحسن ما فیه، وقیل: بالغت فی مدحه وجاوزت الحدّ (المصباح المنیر: ص 372 «طرو»).

18) عالَ الشیءُ فلانا: غَلَبَه وثقُل علیه وأهمّه (القاموس المحیط: ج 4 ص 22 «عال»).

19) قال العلّامة المجلسی رحمه الله: أی کنت تعاشر من یعصیک ویکفر نعمتک معاشرة الإخوان شفقة منک علیهم، أو المراد الشفقة على الکفّار والعصاة والاهتمام فی هدایتهم. ویحتمل أن یکون المراد المنافقین الذین کانوا فی عسکره، وکان یلزمه رعایتهم بظاهر الشَّرع (مرآة العقول: ج 26 ص 531).

20) الثمال- بالکسر-: الملجأ والغیاث وقیل: هو المطعم فی الشدّة (النهایة: ج 1 ص 222 «ثمل»).

21) قال العلّامة المجلسی رحمه الله: أی صار مداراتک وتأنّیک وعدم مبادرتک فی الحکم علینا بما نستحقّه، سببا لوسعة الحقّ علینا وعدم تضیّق الاُمور بنا (مرآة العقول: ج 26 ص 532).

22) ناوَأهُم: أی ناهَضَهم وعاداهُم (النهایة: ج 5 ص 123 «نوأ»).

23) الرقیق: المملوک (النهایة: ج 2 ص 251 «رقَق»).

24) الکافی: ج 8 ص 352 ح 550 عن جابر، نهج البلاغة: الخطبة 216 نحوه و لیس فیه من وسطه «فأجابه الرجل الذی أجابه من قبل» إلى آخره، بحار الأنوار: ج 77 ص 353 ح 32.

25) فی المصدر: «علیهم»، والتصویب من بحار الأنوار.

26) الکافی: ج 1 ص 405 ح 1، بحار الأنوار: ج 27 ص 244 ح 4 وراجع: الخصال: ص 362 ح 52 والغیبة للنعمانی: ص 237 ح 26 و المناقب لابن شهر آشوب: ج 2 ص 103 و کنز العمّال: ج 5 ص 780 ح 14368.

27) تحف العقول: ص 446، بحار الأنوار: ج 78 ص 340 ح 39.

28) الإرشاد: ج 2 ص 262، روضة الواعظین: ص 249، إعلام الورى: ج 2 ص 74، بحار الأنوار: ج 49 ص 146 ح 23؛ مقاتل الطالبیّین: ص 455.

29) عیون أخبار الرضا علیه السلام: ج 2 ص 236 ح 9 عن محمّد بن سنان، بحار الأنوار: ج 46 ص 177 ح 32.