96.الجمل: دَخَلَ [ابنُ عَبّاسٍ] عَلى أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام فَابتَدَأَهُ علیه السلام وقالَ: یَابنَ عَبّاسٍ، أعِندَکَ خَبَرٌ؟
فَقالَ: قَد رَأَیتُ طَلحَةَ وَالزُّبَیرَ.
فَقالَ لَهُ: إنَّهُمَا استَأذَنانی فِی العُمرَةِ، فَأَذِنتُ لَهُما بَعدَ أنِ استَوثَقتُ مِنهُما بِالأَیمانِ ألّا یَغدِرا ولا یَنکُثا ولا یُحدِثا فَسادا. وَاللّهِ یَابنَ عَبّاسٍ ما قَصَدا إلَا الفِتنَةَ، فَکَأَنّی بِهِما وقَد صارا إلى مَکَّةَ لِیَستَعینا عَلى حَربی، فَإِنَّ یَعلَى بنَ مُنیَةَ الخائِنَ الفاجِرَ قَد حَمَلَ أموالَ العِراقِ وفارِسَ لِیُنفِقَ ذلِکَ، وسَیُفسِدُ هذانِ الرَّجُلانِ عَلَیَّ أمری، ویَسفِکانِ دِماءَ شیعَتی وأنصاری.
فَقالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ: إذا کانَ عِندَکَ الأَمرُ کَذلِکَ فَلِمَ أذِنتَ لَهُما؟ وهَلّا حَبَستَهُما وأوثَقتَهُما بِالحَدیدِ، وکَفَیتَ المُسلِمینَ شَرَّهُما؟
فَقالَ لَهُ علیه السلام: یَابنَ عَبّاسٍ، أ تَأمُرُنی أن أبدَأَ بِالظُّلمِ وبِالسَّیِّئَةِ قَبلَ الحَسَنَةِ، واُعاقِبَ عَلَى الظِّنَّةِ والتُّهَمَةِ وآخُذَ بِالفِعلِ قَبلَ کَونِهِ؟ کَلّا! وَاللّهِ لا عَدَلتُ عَمّا أخَذَ اللّهُ عَلَیَّ مِنَ الحُکمِ بِالعَدلِ، ولَا القَولِ بِالفَصلِ. یَابنَ عَبّاسٍ، إنَّنی أذِنتُ لَهُما وأعرِفُ ما یَکونُ مِنهُما، لکِنَّنِی استَظهَرتُ بِاللّهِ عَلَیهِما، وَاللّهِ لَأَقتُلَنَّهُما ولَیَخیبَنَّ ظَنُّهُما، ولا یَلقَیانِ مِنَ الأَمرِ مُناهُما، فَإِنَّ اللّهَ یَأخُذُهُما بِظُلمِهِما لی، ونَکثِهِما بَیعَتی، وبَغیِهِما عَلَیَّ.(1)
97.تاریخ الطبری عن جُندَب: لَمّا بَلَغَ عَلِیّا مُصابُ بَنی ناجِیَةَ وقَتلُ صاحِبِهِم، قالَ: هَوَت اُمُّهُ! ما کانَ أنقَصَ عَقلَهُ، وأَجرَأَهُ عَلى رَبِّهِ! فإِنَّ جائِیا جاءَنی مَرّةً فَقالَ لی: فی أصحابِکَ رِجالٌ قَد خَشیتُ أن یُفارِقوکَ، فَما تَرى فیهِم؟
فَقُلتُ لَهُ: إنّی لا آخُذُ عَلَى التُّهَمَةِ، ولا اُعاقِبُ عَلَى الظَّنِّ، ولا اُقاتِلُ إلّا مَن خالَفَنی وناصَبَنی وأظهَرَ لِیَ العَداوَةَ، ولَستُ مُقاتِلَهُ حَتّى أدعُوَهُ وأعذِرَ إلَیهِ، فَإِن تابَ ورَجَعَ إلَینا قَبِلنا مِنهُ، وهُوَ أخونا، وإن أبى إلَا الاِعتِزامَ عَلى حَربِنَا استَعَنّا عَلَیهِ اللهَ، وناجَزناهُ، فَکَفَّ عَنّی ما شاءَ اللّهُ.
ثُمَّ جاءَنی مَرَّةً اُخرى فَقالَ لی: قَد خَشیتُ أن یُفسِدَ عَلَیکَ عَبدُ اللّهِ بنُ وَهبٍ الراسِبِیُّ وزَیدُ بنُ حُصَینٍ، إنّی سَمِعتُهُما یَذکُرانِکَ بِأَشیاءَ لَو سَمِعتَها لَم تُفارِقهُما عَلَیها حَتّى تَقتُلَهُما أو تُوبِقَهُما، فَلا تُفارِقهُما مِن حَبسِکَ أبَدا.
فَقُلتُ: إنّی مُستَشیرُکَ فیهِما، فَماذا تَأمُرُنی بِهِ؟
قالَ: فَإِنّی آمُرُکَ أن تَدعُوَ بِهِما، فَتَضرِبَ رِقابَهُما، فَعَلِمتُ أنَّهُ لا وَرِعٌ ولا عاقِلٌ، فَقُلتُ: وَاللّهِ ما أظُنُّکَ وَرِعا، ولا عاقِلاً نافِعا، وَاللّهِ لَقَد کانَ یَنبَغی لَکَ لَو أرَدتُ قَتلَهُم أن تَقولَ: اِتَّقِ اللّهَ، لِمَ تَستَحِلُّ قَتلَهُم ولَم یَقتُلوا أحَدا، ولَم یُنابِذوکَ، ولَم یَخرُجوا مِن طاعَتِکَ؟!(2)
98.الإمام الصادق علیه السلام: کانَ أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ صَلَواتُ اللّه عَلَیهِ یَقولُ لِلنّاسِ بِالکوفَةِ: یا أهلَ الکوفَةِ، أ تَرَوُنّی لا أعلَمُ ما یُصلِحُکُم؟! بَلى، ولَکِنّی أکرَهُ أن اُصلِحُکُم بِفَسادِ نَفسی.(3)
99.الغارات – فی خَبرِ مُفارَقَةِ الخِرّیتِ بنِ راشِدٍ (وهوَ مِنَ الخَوارِجِ) أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام -: قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ قَعینٍ:… أتَیتُ أمیرَ المُؤمِنینَ علیه السلام… فَأَخبَرتُهُ بِما سَمِعتُ مِنَ الخِرّیتِ وما قُلتُ لِابنِ عَمِّهِ وما رَدَّ عَلَیَّ.
فَقالَ علیه السلام: دَعهُ، فإِن قَبِلَ الحَقَّ ورَجَعَ عَرَفنا ذلِکَ لَهُ وقَبِلناهُ مِنهُ؛ وإن أبى طَلَبناهُ. فَقُلتُ: یا أمیرَ المُؤمِنینَ فَلِمَ لا تَأخُذُهُ الآنَ فَتَستَوثِقَ مِنهُ؟
فَقالَ: إنّا لَو فَعَلنا هذا لِکُلِّ مَن نَتَّهِمُهُ مِنَ النّاسِ مَلَأنَا السُّجونَ مِنهُم، ولا أرانی یَسَعُنِی الوُثوبُ عَلَى النّاسِ وَالحَبسُ لَهُم وعُقوبَتُهُم حَتّى یُظهِروا لَنَا الخِلافَ.(4)
راجع: موسوعة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام: ج 4 ص 43 (القسم السادس / الفصل التاسع: خروج الخِرّیت بن راشد).
1) الجمل: ص 166.
2) تاریخ الطبری: ج 5 ص 131، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج 3 ص 148 عن حبیب؛ الغارات: ج 1 ص 371 وفیهما «توثقهما» بدل «توبقهما» وکلاهما نحوه.
3) الأمالی للمفید: ص 207 ح 40 عن هشام، بحار الأنوار: ج 41 ص 110 ح 18.
4) الغارات: ج 1 ص 333 و ص 335، بحار الأنوار: ج 33 ص 407 ح 628؛ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج 3 ص 129.